روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات ثقافية وفكرية | مهمة الصحافة.. في بلاد الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات ثقافية وفكرية > مهمة الصحافة.. في بلاد الإسلام


  مهمة الصحافة.. في بلاد الإسلام
     عدد مرات المشاهدة: 2972        عدد مرات الإرسال: 0

الصحافة وسيلة مهمة من وسائل الإعلام، لها مكانه رفيعة وانتشار واسع، فالناس يقبلون عليها إقبالًا منقطع النظير.

وهي وسيلة حديثة نسبيًّا لم يكن للعرب عهد بها؛ إذ إنها انتقلت إليهم من ديار الغرب.

وقد انتشرت في بعض البلاد العربية والإسلامية أواخر القرن التاسع عشر الميلادي الثالث عشر الهجري على أيدي أناس كان أكثرهم من النصارى وبعضهم من اليهود، وعاونهم في ذلك بعض المسلمين.

وكان أكثر انتشارها في بلاد مصر والشام (سوريا ولبنان).

لكن هذه الصحافة الوليدة لم تعكس آمال الأمة وتطلعاتها في الأغلب، بل كانت عونًا للمستخربين المستعمرين وممهدة لهم في مساعيهم الحثيثة للسيطرة على ديار الإسلام، وبعض الصحف كانت ترحب صراحة بالمستعمر وفكره وتقاليده وعاداته حميدها وخبيثها، ضارها ونافعها.

وكانت بهذا تلقي في روع الأمة الرضا بالاستخراب (الاستعمار) والركون إليه، وعدم مجاهدته. وكانت بعض الصحف توهم الأمة أنه لا بد لها من الاستخراب ولا انفكاك لها عنه، فهي بهذا كله كانت بوقًا لأولئك، ومنفذة لأغراضهم عن قصد في أكثر الأحيان ومن غير قصد.

هذا عدا عن نشر كثيرٍ مما يضاد عقيدة الأمة وأخلاقها وثوابتها الشرعية والخلقية، حيث كانت تدعو جهارًا إلى السفور وخلطة الرجال بالنساء على وجه مخل بالشرع، معيب.

وكانت تزين للناس كثيرًا من المنكرات، فكانت الصحافة إذن منبرًا يفعل في الناس الأفاعيل، وكلامي هذا لا يعني أنه لم تكن هناك صحافة مقبولة في ميزان الشرع، لكنها كانت قطرة من بحر.

ثم ظلت الصحافة هكذا تراوح مكانها حتى أشرقت شمس الصحوة المباركة، وعمت فضائلها الدنيا.

فظهرت صحف ومجلات وملاحق تنصر الإسلام وأهله في القارات الخمس، وتبرز محاسن الدين، وترد على الكافرين والمغرضين وأهل الأهواء، فما أحسن هذا وما أجمله! وهو من جملة المبشرات باقتراب النصر إن شاء الله تعالى.

وينبغي للصحافة إن أرادت أن تكتسي بثوب الشرع، وتتجمل بالفضائل، وتحمل مشاعل الهداية والرشاد، ينبغي لها أن تصنع الآتي:

1- أن تكون معبرة عن توجهات أكثر البلاد الإسلامية التي أعلنت أنها تعتمد الشرع المطهر دستورًا للحكم ونظامًا له، فمهما تنوعت مناشط الصحافة واجتهد القائمون عليها في إخراجها بشتى الصور فإنه لا ينبغي إلا أن تكون خاضعة لسلطان الشرع المطهر في كل ما يأتي وما تذر، فلا تنشر الصور الخليعة، ولا الأخبار الماجنة.

ولا تسمح لمنافق أو كافر أن يبث سمومه على صفحاتها، وهذا -للأسف- ما نفتقده في كثير من صحفنا ومجلاتنا؛ فهي تنشر سمومًا عظيمة، ومهيجات مثيرة، ومفاسد عظيمة في صفوف الأمة.

وكأن القائمين عليها لا يرجون لله وقارًا، ولا يخافون يوم المثول بين يديه سبحانه، وقد صدق عليهم قول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].

2- أن تكون الصحافة مدافعة عن قضايا الأمة، منبهة إلى مواطن الضعف فيها، مشيدة بمواقع القوة ومشجعة لها ومثنية عليها، وأذكر أني قرأت أكثر من مرة في صحيفة سيارة مقالات مترجمة للوقائع للجهادية الاستشهادية في فلسطين وأثرها على اليهود الملاعين.

وهذه المقالات خطها كتاب غربيون لا تُدرى نحلتهم، ومن قرأها تأثر سلبًا؛ وذلك لأنها كتبت بأسلوب متعاطف مع اليهود متأثر بما جرى عليهم، فكيف تنشر مثل هذه المقالات المترجمة في صحف عربية إسلامية، إن هذا الشيء عجيب؟! وكيف أجاز رئيس التحرير هذا الذي يُعد وقوفًا في خندق أعداء الأمة؟!

3- أن تستكتب الصحافة خيار الأمة ومَن تعلم أنهم أصلح من غيرهم، كلٌّ في تخصصه ومجال عمله؛ فالنبيكان يشرك الصحابة الأقدر على خوض معاركة الإعلامية، فحسان بن ثابت شاعره، وثابت بن قيس خطيبه، وزيد بن ثابت كاتبه إلى الملوك ومترجمه، فقد كان صاحب اللغات المتعددة، رضي الله عنهم جميعًا.

4- أن تنشر الأخبار بلا تضخيم ولا تهوين؛ لأنها إن ضخمت يأّست، وإن هَوّنت كَسّلت، بل ينبغي لها أن تعطي الخبر حقه حتى لا تضلل الأمة، وعليها أن تبتعد عن الشائعات المغرضة وتتحرى مصادر الأخبار؛ لئلا تساهم في ترويج الكذب وإشاعته في الأمة.

والعجيب أن كثيرًا من الصحف والمجلات اليوم تنشر أخبارًا عن قوة دولة العدو الصهيوني.

وأنه لا قِبلَ للعرب جميعًا بها، وأنا إذا دخلنا حربًا معهم فنحن مهزومون لا محالة في موازين القوى العسكرية، وأنهم يملكون القنابل النووية والدبابات التي لا تحطم ومقاتلات 16F أكثر مما تمتلك الدول العربية!!

فهذا الكلام أولًا غير دقيق، وعلى فرض دقته فهو موهن للغاية، وأين سلاح الإيمان وعظمة وقوة جيش الإسلام إن تمسك بالقرآن؟! وأين ذكر الأخبار المشجعة للأمة من جهاد الإخوة في فلسطين وإبراز ذلك على أنه ميزان قوي لا قبل للعدو به؟!

لقد سئمنا من تكرار ذكر ما يسمونه حقيقة التفوق الصهيوني، وترداد ذلك على مسامعنا ليل نهار، فإن هذا لا يخدم إلا أولئك الملاعين، ولا يحقق إلا أغراضهم.

5- أن تشارك الصحافة الأمة أحزانها وأفراحها، فليس من المقبول ولا المعقول أن تكون الأمة واقعة في مصائب وبلايا وابتلاءات متعددة والصحافة بمنأى عن ذلك، كأن الأمر لا يعنيها، وتكتفي بإيراد الخبر في صفحاتها الأولى ثم تُبقِي الصفحات الأخيرة للفن والرياضة، وكأن هذا بمعزلٍ عن ذاك.

لا يصح هذا في ميزان العقول بل ينبغي أن تكون الصحيفة أو المجلة مسخرة للهدف الأسمى وهو نصرة الأمة بكل ما تستطيعه وعلى جميع صفحاتها، ألم تسمعوا بأن قناة من القنوات التي تعدّ في صف القنوات الإسلامية قد قررت قطع جميع الأخبار الرياضية تضامنًا مع الفلسطينيين.

وتعزيزًا لصفهم، وإبرازًا لجهادهم، وإظهارًا لحجم البلاء النازل عليهم؟! ألم يقل النبي: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"؟

6- ألاّ تخلو الصحافة من الترويح والترفيه المشروعين؛ فديننا فيه توسعة ولله الحمد، ولقد احتل المزاح والدعابة قدرًا مناسبًا في السيرة العطرة الشريفة.

وأخيرًا أقول: ليس معنى إيرادي النقاط السابقة أن تكون الصحافة ذات قوالب جامدة أو تسير على نهج واحد لا تنوع فيه ولا تغيير، بل يمكن للصحافة أن تكون مميزة للغاية لو راعت ما ذكرته آنفًا مع الأخذ بفنون الصحافة الحديثة التي لا تخالف لنا شرعًا، ولا تؤذي منا عقلًا.

ولا تحطم منا نفسًا وعزمًا، وممكن للصحافة أن تضرب المثل في العالم كله على روعة الجمع بين ذكر الخبر وحسن العرض وتنوع المادة وثرائها.

ولا ينبغي للصحفيين والقائمين على المنتجات الإعلامية أن ينسوا أن هناك عددًا كبيرًا من الجادين في هذه الأمة المباركة ممن يود التعامل مع صحافة جادة وهادفة ومتنوعة، وساعتئذٍ سيكون لمطبوعاتهم الصحفية القدر الأكبر من التوزيع والنشر.

ولا يلتفتوا إلى دعاوٍ وأفكار من نشر الفن الفاحش والمنكرات في وسائل إعلامه بدعوى التدرج في تربية الأمة وإنقاذها من براثن القنوات الإباحية؛ فالأمة لا يُتدرج بها بالرقص والعُري.

ولا تصح هذه الدعوى شرعًا ولا عقلًا، بل هذا من جملة تلبيس الشيطان وحزبه على هذا الرجل وأمثاله، والله الموفق.

الكاتب: د. محمد موسى الشريف

المصدر: موقع قصة الإسلام